كتب إلى أحد الإخوة الفضلاء الأدباء أواخر رمضان المنصرم أبياتاً جيدة تشوق إلي معان فاضلة، يقول في مطلعها:
رمضان ولى هاتها يا ساق ** ملء الكئوس دماً من الأحداق
عبرات صب عاشق وموله ** ذابت مآقـيه أسى لفراق
خفقات قلب ذاهل قد راعه ** صرم تبدى بعـد حين تلاق
زفرات روح شاقها من ليله ** طول القيام وأنة الإشفاق
وكان مما قال:
وهبات رب العرش تغشى أنفساً ** يختارهـن تفوز بالإعتاق
ونداؤه الجنات أشرع بابها ** قد زانها بالحسن للعشاق
هاهم عبادي الصائمون تدافعوا ** شوقاً إليك بأنجب وعتاق
قد أوشكوا طرح المئونة عنهم ** يا حسن مضمارٍ لهم وسباق
يا رب فاغمرنا بلطفك ويحما ** نفس تقاصر سعيها للحاق
يا لهف نفس مالها من سلوةٍ ** يا لهف نفس أوثقت بوثاق
يا رب فامنن بالجزيل تفضلاً ** فلأنت أهل الجود والإغداق
ثم قال:
رمضانُ قعقعة السيوفِ أما لنا ** بدرٌ تهلُّ بعيد طول محاق
في أبيات جيدة يتسائل فيها عن حال الأمة وما ألم بها.
ولما كان عار في عرف الأدباء أن يجاب على الشعر بغير الشعر، نظم حارث الهمام قصيدة من ليلته جواباً لصاحبه يقول فيها:
رمضان ولى سنة الخَلَّاقِ** أتخال شيئاً غير ربِّك باقي!
رمضان ولى والأنامُ طرائقٌ ** منهم شّقيٌّ في لظىً وشِقاقِ
رمضان ولى والسعيد مُشيِّعٌ ** والقلب مملوء من الإشفاقِ
ماذا أقول لواجِدٍ مُتَألِّهٍ ** قام الليالي سَحَّ في الإنفاقِ
بَذْلُ الطعامِ لأهله لم يُطْغِه ** روّى الكتاب بدمعه الدفّاقِ
وبباب كل فضيلةٍ إن جئته ** ألفيته متزعماً لبقية السبَّاقِ
رمضان ولى والعزاء لمثله ** أن اللّقـاء مأملٌ بلحاق
رمضان ولى قائلاً لمحـِّبه ** عهدي الكتاب فلاتُضِع ميثاقي
**********
يا صاحبي دعني أبوح بخَطْرةٍ ** جالت بفكري، خالجت أعماقي
أتُرى صحيح الودِّ يَصْدُق في الذي ** يُعطي الحبيبَ حَدائق الأخلاقِ
فإذا تولى بعده ترك الذي ** يَرضى الحبيبُ وشذَّ في الآفاقِ!
أيكون راجي الصفح عن تفريطه ** متمادياً في البغي والإخفاق؟
يا أمتي وَجَبَ الرجوع لصفحةٍ ** مطوِيَّـةٍ من جملةِ الأوراقِ
عنوانها الإخلاصُ والصدق الذي ** ما شـابه التكديرُ بالأعلاقِ
**********
يا أمتي إن رُمْتِ بدراً أخرجي ** من رحمِْكِ المقداد ثم الباقي
يا أمتي عَيناً لجالوتٍ أرى ** ترنوا لوجه الفارسِ البرّاقِ
يا أمتي اليرموكُ نادى ربُّها ** لانامـت الجبناء بالإطلاق
يا أمتي حطينُ يَعْجَبُ أهلُها ** أيبيعُ بعضُ الكردِ أرضَ عراقِ؟
يا شهرنا عذراً فإني لا أرى ** في حِقْبَةِ اللدغاء -بَعدُ- الراقي
رمضان أرجو أن تعود فتُلفيَ الـْ ** ـفُرقاء جُمِّع شملهم لتلاقي
رمضان آملُ أن تَحُول فتُبْصِر الـ ** ـفاروق والقعقاع في الآفاق
يا أمتي رمضانُ كفٌ واحدٌ ** لابد من أخرى لدى الصَفَّاقِ
نسأل الله أن يبلغنا وإياكم شهرنا وأن يجعله حجة لنا والسلام.